تتمتع أرض فلسطين بمكانة خاصة في التصور الإسلامي ، وهي المكانة التي جعلتها محط أنظار ومهوى أفئدة المسلمين ، ومن أهم النقاط التي جعلتها تحظى بهذه المكانة:
* في أرض فلسطين المسجد الأقصى المبارك وهو أول قبلة للمسلمين في صلاتهم ، كما يعتبر ثالث المساجد مكانة ومنزلة في الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي ، ويسن شد الرحال إليه وزيارته ، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة عما سواه من المساجد ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى}. وقال صلى الله عليه وسلم : { الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة } .
* أرض فلسطين أرض مباركة بنص القرآن الكريم ، فقد قال تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله } , وقال تعالى : { ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها}, قال ابن كثير : بلاد الشام , وقوله تعالى: فيها { ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها }, قال ابن كثير : بلاد الشام , وقال تعالى:{ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة } قال ابن عباس : القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس , قال تعالى على لسان موسى عليه السلام : { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } , قال الزجاج : المقدسة : الطاهرة , وقيل سماها مقدسة لأنها طهرت من الشرك وجعلت مسكنا للأنبياء والمؤمنين , قال الكلبي : الأرض المقدسة هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن , وقال قتادة : هي الشام كلها .
والبركة هنا حسية ومعنوية 000 لما فيها من ثمار وخيرات ولما خصت به من مكانة ولكونها مقر الأنبياء ومهبط الملائكة الأطهار .
* فلسطين أرض الأنبياء ومبعثهم - عليهم السلام – فعلى أرضها عاش إبراهيم, واسحق, ويعقوب, ويوسف, ولوط, وداود, وسليمان,وصالح, وزكريا, ويحيى, وعيسى عليهم السلام ممن ورد ذكرهم في القرآن الكريم , كما عاش على أرضها الكثير من أنبياء بني إسرائيل الذين كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي جاءهم نبي آخر , وممن ورد ذكرهم في الحديث الصحيح نبي الله يوشع عليه السلام .
ومن هنا فإن المسلمين عندما يقرأون القرآن يشعرون بارتباط عظيم بينهم وبين هذه الأرض لأن ميدان الصراع بين الحق والباطل تركز على الأرض ولأنهم يؤمنون أنهم حاملو ميراث الأنبياء ورافعوا رايتهم ولأن دين الإسلام جاء ناسخا لما قبله مع الأمر للمسلمين بالإيمان بكل من سبق من الأنبياء والمرسلين فقل تعالى :{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير }.
* والمسجد الأقصى هو مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومنه كان معراجه إلى السماء وفي هذا المسجد جمع الله لرسوله الأنبياء من قبله فأمّهم دلالة على انتقال الإمامة والريادة وأعباء الرسالة إلى الأمة الإسلامية وهذا الباب الوحيد الذي فتح بين السماء والأرض في فلسطين .
* وتبسط الملائكة أجنحتها على أرض فلسطين - التي هي جزء من الشام- ففي الحديث الصحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : { يا طوبى للشام , يا طوبى للشام و قالوا يا رسول الله وبم ذلك ؟ قال ( تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام ) }.
* فلسطين أرض المحشر والمنشر , فقد روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس فقال ((أرض المحشر والمنشر )) .
* هي عقر دار الإسلام وقت اشتداد المحن والفتن , فعن سلمة بن نفيل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عقر دار الإسلام بالشام }, وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي , فنظرت فإذا نور ساطع عمد به إلى الشام , ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام }.
* والمقيم المحتسب فيها كالمجاهد والمرابط في سبيل الله فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أهل الشام وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله فمن احتل مدينة من المدائن فهو في رباط ومن احتل منها ثغرا من الثغور فهو في جهاد }.
وفي الأحاديث التي يفسر ويقوي بعضها البعض أن الطائفة المنصورة الثابتة على الحق تسكن الشام وخصوصا بيت المقدس وأكناف بيت المقدس , فعن أبي أمامة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك , قيل يا رسول الله أين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس }.
هذه مكانة فلسطين من الناحية الدينية , وهي مكانة جعلتها جزءا من عقيدة المسلمين ووجدانهم , وقد تعمقت هذه المكانة بالفتح الإسلامي لفلسطين ووقوع عدد من المعارك الفاصلة في التاريخ على أرضها كأجنادين وفحل بيسان واليرموك وعين جالوت وحطين , وباختلاط دماء الصحابة والتابعين والمجاهدين بثراها المبارك وبهجرة وإقامة الكثير من الصحابة والتابعين والعلماء وأنسالهم فيها وببروز عدد من أبنائها كعلماء وقادة ورجال حكم .
وهذا يقودنا إلى الإشارة إلى أحد معالم الحل الإسلامي المنشود لتحرير الأرض المباركة , وهو توسيع دائرة الصراع لتشمل كافة المسلمين المؤمنين بحقهم فيها , وعدم التفريط بأي جزء منها باعتبارها أرضا مقدسة وباعتبارها جزءا من عقيدة كل مسلم ووجدانه , وإن استشعار المسلمين بواجبهم تجاه تحرير أرض الإسراء وقيامهم بخطوات عملية في هذا الإطار هو ضمانة حقيقية للسير بخطوات جادة لتحقيق آمال المسلمين باستعادة أرضهم ومقدساتهم .
وأخيرا أخوة الإسلام إذا كانت هذه هي المكانة التي حباها الله لفلسطين هذه الأرض المباركة المقدسة على وجه الخصوص والشام على وجه العموم , أفلا يستحق ذلك منا أن نستنهض هممنا ونسترجع ما ضاع من عقيدتنا خاصة إذا علمنا أن أنظار العدو الصهيوني المجرم وأطماعه لا تقف عند حدود فلسطين بل تتعداها إلى الشام وأكثر من ذلك , ولنعلم جميعا علم اليقين أن القدس وفلسطين كانت وما زالت على مدى التاريخ هي مقياس عزة الإسلام والمسلمين أو عدمه فمتى كانت القدس في حظيرة المسلمين دل ذلك على علو شأنهم وقوتهم وعزتهم ومتى خرجت من أيديهم فهم ليسوا بالمستوى الذي أراده الله لهم لقيادة الناس وهداية العالم ودائما القدس بيد الذي يحكم العالم وهم الصهاينة في هذه الأيام ولله وحده المشتكى وحسبنا الله